في ظل استمرار الاستعمار والاستعمار الجديد مسيطراً على الجنوب العالمي وتحديداً على فلسطين وإفريقيا، فإن المعاناة جراء الحروب والصراعات الناتجة عنها تظل في تصاعدٍ حاملة معاها القهر والألم والعنف تجاه الشعب ككل ولكن لأكثر الفئات اضطهاداً و استضعافاً بشكل أكبر.
وهذا ما جعل التأثيرات العنيفة لحروب الاستعمار والصراعات السياسية الناتجة عنه، تتشكل عبر تغذية العنف الطبقي والأبوي، والتركيز على سلب أساسيات الحياة مثل الأمن، والصحة، والتعليم، والمأوى…
سؤال العدالة الإنجابية والجنسانية في ظل الاستعمار والحروب
يحضر سؤال العدالة الانجابية والجنسانية بشكل مُلِح أثناء الحروب والاستعمار، وذلك لما تخلفه من آثار عنيفة على حيوات الأشخاص، وتدمير حيواتهن/م، وقدرتهن/م على الحصول على حقوقهن/م الأساسية بما فيها حق الصحة وتقرير المصير الجنسي والانجابي.
إن شن الحروب لغرض السيطرة على الموارد والهيمنة السياسية ظل عالم مؤسس على الهرميات الأبوية والاستعمارية والطبقية، لا يتم إلا عبر وسائل العنف المختلفة ومنها الاعتداءات الجنسية والإبادة الإنجابية، والتجويع والتهجير الممنهج، وتدمير البنى الصحية والاجتماعية القادرة على توفير النجاة.
يتعمد الاستعمار الصهيوني مثلاً استخدام أدوات الإبادة الإنجابية في حروبه ضد الشعب الفلسطيني، وفي حربه الإبادية الأخيرة في غزة بشكل أوضح، حيث تركز القصف على استهداف المنازل ليخلف نسبة كبيرة من الضحايا في صفوف الأطفال والأمهات.
وفي السودان والكونغو استخدم الاعتداء الجنسي سلاح حرب من طرف الجيوش والمليشيات التي تتصارع لتحقيق مصالح الاستعمار والهيمنة الخارجية على البلدين.
وفي مختلف هذه السياقات لم يكن الاستهداف جانبيًا سواءًا تعلق الأمر بالاغتيالات الممنهجة التي تهدف إلى تدمير النظام الديموغرافي لهذه البلدان والذي يتضمن الإبادة الانجابية تجاه المنجبات والحوامل والأطفال والرضع، وتدمير فرصهن/م في الصحة والغذاء والمأوى. أو تلك المتعلقة باستخدام أسلحة الاعتداء الجنسي كنوع من الاخضاع والانتقام. كلها أدوات يستخدمها النظام الاستعماري والأنظمة العسكرية بشكل واعي لأهميتها في تحقيق الأهداف المرجوة من الحروب.
سؤال العدالة الإنجابية والجنسانية والنظام الأبوي
أسس النظام الأبوي أدوات متعددة للهيمنة الانجابية والجنسانية، منها ماهو مباشر مثل القواعد والسياسات والقوانين التي يتحكم فيها بالمصير الانجابي والجنساني للأفراد، ومنها ما هو قيمي يهدف لشرعنة هذه الهيمنة واعطائها بعداً أخلاقي حسب التصنيفات الأبوية.
وساهم النظام الأبوي من خلال الثنائية الجندرية، وتطبيع الغيرية كمسار وحيد للجنسانية، استخدام إنجابية الأشخاص في الإنتاج الاجتماعي والاقتصادي، في تثبيت الجسد كمعيار للهيمنة.
بالتالي فإن انعدام العدالة الانجابية والجنسانية في ظل استمرار هذا النظام في الهيمنة على العالم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، يرتبط بشكل مباشر باستخدام قيمه لبسط مزيدٍ من السيطرة الاستعمارية على العالم.
كما أن الانتهاكات الانجابية والجنسانية في ظل الحروب تُحدَدُ أهدافها من خلال قيم وسياسات النظام الأبوي، فيكون قتل الأمهات أو حرمان الحوامل من الرعاية الصحية، أو الاعتداء الجنسي، واستهداف الأشخاص بناءًا على توجهاتهن/م الجنسية، وانعدام المستلزمات الصحية للدورة الشهرية، ذو أثرٍ أكبر بفعل العوامل الداخلية التي استثمرت في السياسات الأبوية، ووضعت هذه القضايا على الهامش، فيكون تداولها نفسه هامشيًا مقارنة بالحديث عن الانتهاكات الأخرى.
سؤال العدالة الإنجابية والجنسانية والنسوية
من ناحية أخرى فإن سؤال العدالة الانجابية والجنسانية هنا لا يوجه فقط للأنظمة التي سلبتها، لكونها لن توفرها من الأساس. لكنه يوجه في ظل هذه الظروف التي تشهدها غزة، والسودان والكونغو، للحركات النسوية نفسها، حيث تتحدى ظروف هذه المناطق ومعاناتها جراء الاستعمار ووكلائه، الخطاب النسوي حول الحقوق الإنجابية والجنسية والعدالة التي تضمن هذه الحقوق وتحققها. ذلك أن الخطاب النسوي خارج هذه السياقات لايزال لحدود اللحظة غير قادرٍ على وضع أجندات واضحة لمواجهة هذه الإبادة والعنف، وتأثيرها على النساء والأشخاص من خلفيات جندرية وجنسانية مختلفة، بما فيه إنتاج خطاب يتماشى والتأثيرات الكبيرة للانتهاكات الممنهجة للاستعمار وعملائه وربطها بالسياسات الإبادية للنظام الأبوي.
في ذات السياق، فإن المنظمات النسوية العالمية التي تضخ تمويلات كبيرة في العمل النسوي المتعلق بالصحة الإنجابية والحقوق الجنسية، لم تقم حتى اليوم بتحركات جادة تجاه المعاناة الكبيرة التي خلفتها الحروب في غزة، والسودان والكونغو، وتقديم ضغوطات لوقف أو تقليص الجرائم الجنسية والانجابية وتدمير والمساهمة في تقديم وسائل للنجاة للمتضررات/ين.
تجدر الإشارة في هذا الإطار بأن المجموعة والتنظيمات النسوية المحلية، قد تُركت وحيدة لمواجهة حلقاتٍ من العنف خلفت انتهاكات جنسية مهولة، وارتفاعاً مفجعًا في الاغتيال السياسي في حق الأمهات والرضع إما بالقصف المباشر أو نتيجة لعدم توفر العناية الصحية اللازمة، وترك الأشخاص من هويات جنسانية غير نمطية عرضة للقتل والاهمال.
ناهيك عن النقص الشديد في المستلزمات الصحية الانجابية مثل الفوط الصحية، التي وفر عدد منها بفضل مجهودات ذاتية لعدد من المجموعات النسوية والإغاثية في هذه المناطق منها مبادرة “فوطة تسد الخانة” التي جمعت أكثر من 50 صندوق فوط صحية لصالح معسكرات النزوح بالسودان.
كما أن تأثيرات هذا العنف الاستعماري امتدت لتشمل الحجر على حقوق الأشخاص الجنسية، وتقويض فرصهن/م في تقرير مصيرهن/م الجنسي والإنجابي.
ليكون قياس راهينية خطاب العدالة الإنجابية و الجنسانية في الحركات والمنظمات النسوية سواءاً على مستوى عالمي أو إقليمي، مرهون بمدى التزامها بمناهضة الاستعمار ومخلفاته، والعمل على بناء استجابات عاجلة للأشخاص في مناطق الحروب، وعدم الانسحاب على شاكلة ما تقوم به المؤسسات الدولية التي تستغل هذه القضايا في تلميع صورتها، لكن ممارساتها تفضح تورطها في استدامة الأنظمة التي تنتج القهر والعنف وغياب العدالة.
الحرب الإنجابية على غزة
منذ الحرب الاستعمارية الصهيونية الأخيرة على غزة، شهد القطاع حربًا إنجابية وجهت ضد النساء والأطفال حديثي الولادة. في نهج واضح لاستهداف المستقبل الديموغرافي للقطاع، وذلك ليس بالشيء الجديد على الاستعمار، حيث كان الحديث عن سياسة المقاومة التي ينتهجها الشعب الفلسطيني في مواجهة الإبادة، حاضراً في التخطيط الإرهابي للحرب الصهيونية على غزة في كل مرة.
وقد ارتفعت أعداد الولادات المبكرة وحالات الإجهاض والظروف المأساوية والخطيرة التي تعيشها الحوامل والرُضع، نتيجة القصف الصهيوني الذي يعد السبب الرئيسي في المعاناة التي تعيشها الفلسطينيات الحوامل، لا سيما النازحات منهن، وكذا تدمير الاحتلال للمستشفيات والحصار المفروض على القطاع الذي يمنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية.
ووفقًا للهلال الأحمر الفلسطيني فإن 37 أمًا يستشهدن يوميًا في غزة. بينما تشير احصائيات أممية إلى أن “اثنين من الأمهات تموت كل ساعة في غزة”.
وتشير التحديثات التي تصدرها وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، منذ بداية العدوان في أكتوبر العام المنصرم، أن هناك أكثر من 60,000 حامل معرضة للخطر لعدم توفر خدمات الرعاية الصحية والافتقار لإمكانية الحصول على خدمات الولادة الآمنة. ومن المرجح أن 15% منهن عانين من مضاعفات في الحمل والولادة واحتجن إلى رعاية طبية إضافية غير متوفرة بحسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية.
وأظهرت التقارير منذ بداية الحرب الاستعمارية بأن النساء في غزة أجبرن على الخضوع لعمليات قيصرية دون تخدير. إذ تأثرت عمليات الولادة القيصرية بشكل كبير نتيجة للنقص الشديد في الوقود لتشغيل المستشفيات وانقطاع التيار الكهربائي. وهذا ما أدى إلى إجراء العمليات القيصرية دون تخدير، كما تم ذلك في غياب المياه لغسل الأطباء ايديهن، ودون القدرة على تعقيمها، وانعدام المضادات الحيوية لعلاج الالتهابات التي قد ترافق العمليات، وهي عمليات مؤلمة من الأساس حتى مع توفر الأدوية.
كما أن الأدوية الأساسية والضرورية لعمليات الولادة غير القيصرية ليست متوفرة.
نتيجة لحالة الخطر والقصف الصهيوني لم تتمكن المراكز من فتح أبوابها لحالات الولادة وخُصصت فقط لحالات الطوارئ.
بالإضافة إلى ذلك أثر الضغط المستمر على استعمال سيارات الإسعافات في إنقاذ الجرحى، على إحضار النساء إلى المستشفيات للولادة، وفي حالات كثيرة اضطررن للذهاب إلى المستشفيات عبر عربة تجرها دابة (كارو)، أو تحتم عليهن السير على الأقدام لمسافات طويلة للقيام بالمراجعة، واضطرار كثير منهن للولادة في المنازل ومراكز وخيم الإيواء ودورات المياه، ما يعرض الأم والجنين لمخاطر منها النزيف أو حمى النفاس أو الإصابة بأمراض فيروسية وبكتيرية.
في هذا السياق، تتعرض النساء الحوامل والمرضعات الجدد وأطفالهن لمخاطر صحية كبيرة، منها الأمراض المعدية وانعدام الرعاية الطبية اللازمة، وسوء تغذية التي سببت خسائر كبيرة في الوزن للأمهات والرضع بسبب محدودية الوصول إلى الغذاء، ما يحد من قدرة إرضاع الأطفال حديثي الولادة رضاعة طبيعية، ويفتقر قطاع غزة حالياً للتطعيمات الضرورية للمواليد الجدد.
ووفقًا للتقديرات التي أعدتها وزارة الصحة الفلسطينية ومصادر حقوقية، فإن الآلاف من الأمهات المرضعات يتواجدن في مراكز الإيواء أو تحت القصف، ويعد توفير حليب الأطفال الصناعي والحفاضات عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة.
وأظهرت تقديرات وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن 20,000 طفل رضيع تصل أعمارهم/ن إلى 6 أشهر يحتاجون إلى حليب صناعي. وأظهرت مقاطع في وسائل التواصل الاجتماعي، حالات لأمهات يطعمن الرضع التمر بدلاً من الحليب لعدم قدرتهن على شراء الحليب الصناعي.
الحصار الاستعماري على غزة والدورة الشهرية
في سياق متصل فإن الحرب الاستعمارية والحصار على غزة لم يساهم فقط في منع وصول المساعدات الإنسانية والصحية، بل أيضًا ساهم في منع دخول المستلزمات الصحية الخاصة بالدورة الشهرية، مما وضع حسب التقديرات حوالي 690.000 امرأة وفتاة تحت خطر عدم توفر منتجات الدورة الشهرية.
عدم الحصول على المنتجات الصحية جعل معظم النساء والفتيات، يضطررن إلى استخدام الأقمشة والملابس وبقايا الخيام أثناء الحيض لعدم توفر الفوط الصحية.
كما استخدمت العديد من النساء موانع الحمل الهرمونية مثل أقراص نوريثيستيرون، والتي يُنصح بها عادةً لعلاج الاضطرابات، لتجنب الدورة الشهرية في هذه الظروف القاهرة.
بينما انقطعت الدورة الشهرية تمامًا عن أخريات بسبب الإجهاد.
في ذلك تقول إحدى العاملات في مجال الرعاية الصحية في جمعية تنظيم الأسرة الفلسطينية أن “هناك نقص في فوط الدورة الشهرية وتستخدم النساء قطعًا من القماش الذي يأخذنه من الملابس وبقايا الخيام ويضعن تحتها أكياسًا بلاستيكية لتجنب التسرب على ملابسهن. وفي بعض الأحيان، إذا تمكنّ من العثور على حفاضات أطفال، يستخدمنها بعد تقطيعها إلى عدد من القطع”.
أثر الحرب على العدالة الإنجابية والجنسانية في السودان
منذ إنطلاق “حرب جنرالات الدم” على الشعب السوداني، اضطر المدنيون/ات إلى الفرار من منازلهن/م بسبب القصف العنيف الذي استهدف المنازل والعزل، وكذا بسبب الهجوم الممنهج لقوات الدعم السريع والعصابات على السكان ونهب المنازل.
كما تسببت الحرب في آفات حقيقية مثل ندرة المياه والكهرباء والمؤن الغذائية والحصار والتدمير، الذي أدى إلى توقف العديد من المنشآت الصحية والتعليمية عن العمل، أو عدم إمكانية الوصول إليها.
في أوقات الحروب والنزوح، تتعرض الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية للخطر لمحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية الضرورية، أو انقطاعها بسبب تدمير المنشآت الطبية.
بالإضافة إلى عدم وجود أي مرافق طبية في أماكن النزوح، وتقاعس المنظمات الأممية عن تقديم الدعم المادي والمعنوي لشعوب الجنوب العالمي أثناء الحروب، بل أنها تنسحب بشكل كلي أو جزئي من مهامها، تاركة ملايين النساء والفتيات والأشخاص غير المعياريين/ات والمجموعات المضطهدة عرضة للخطر الأكبر لهذه الحروب.
كما ترتبط الحرب والتهجير بارتفاع معدلات الاعتداء الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، فالنساء والفتيات معرضات بشكل خاص لعواقب انقطاع الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الحمل غير المخطط له أو المرغوب فيه، والحمل الناتج عن الاعتداءات الجنسية، ووفيات الأمهات واعتلالهن، والإصابات الجنسية والإنجابية، والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي غير الآمن، بما في ذلك تلك الناجمة عن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع.
وكذا انقطاع المنتجات الصحية الخاصة بالدورة الشهرية ووسائل منع الحمل، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً، والإجهاض غير الآمن.
عندما تخاض الحرب على أجساد النساء
ولعل أبرز الآثار الواضحة لحرب جنرالات الدم، هي تلك المرتبطة بالانتهاكات الجنسية التي راحت ضحيتها عشرات النساء والفتيات في الخرطوم ودارفور. حيث وُظف الاغتصاب سلاحًا للحرب ضد المدنيات/ين العزل من طرف قوات الدعم السريع.
ولم يكن هذا السلاح العنيف بالشيء الجديد، إذ لطالما استخدم ضد النساء والأقليات في دارفور منذ أن أعلن نظام الإنقاذ الحرب ضد الإقليم، واستخدم مليشيات الدعم السريع في ارتكاب تلك الجرائم والانتهاكات.
في إطار الجهود النسوية التي وثقت الانتهاكات الجنسية في السودان، قالت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان سليمى إسحق، في مقابلة مع “الجزيرة” أن الوحدة وثقت 157 حالة اغتصاب في أنحاء مختلفة من البلاد منذ اندلاع حرب 15 أبريل/ نيسان 2023. وبيّنت أن 95٪ من تلك الحالات كانت في مناطق تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع.
وأشارت إلى أن آخر خمس حالات اغتصاب تم توثيقها من الوحدة، ارتكبت ثلاثة منها قوات الدعم السريع، بينما أفيد عن تسجيل حالتي اغتصاب أخريين كان الجناة فيهما من منسوبي الجيش.
إلا أن هذه الأرقام حسب سليمى إسحاق لا تمثل نسبة (2)% من العدد الكلي لجرائم الاعتداء الجنسي المُرتكبة.
ووثقت الوحدة قيام قوات الدعم السريع باستعباد 29 امرأة جنسيًا بما أصبح يعرف ب “حادثة فندق الضمان” بنيالا، لكن الأعداد حسب التقرير السنوي حول العنف المتصل بالنزاع في مجلس الأمن، قد وصلت ل 129 امرأة وفتاة اختطفن من قوات الدعم السريع وتم استعبادهن جنسيًا.
وفي تقريرها الصادر بين 24 أبريل و26 يونيو 2023، وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش (78) حالة اغتصاب.
وتحدث التقرير عن شهادات ناجيات أوضحن أن معظم المعتدين، كانوا رجالاً يرتدون زي قوات الدعم السريع الكامل أو الجزئي
وأضاف التقرير بأن بعضهم كانوا يرتدون ملابس مدنية، وفي كثير من الحالات، قدِموا في مركبات تحمل علامات قوات الدعم السريع.
وفي معظم الحالات التي رصدتها المنظمة، ارتكب المغتصبون أيضاً انتهاكات جسيمة أخرى، منها الضرب، والقتل، ونهب المنازل، والشركات، والمباني الحكومية أو حرقها.
كما أكدت الضحايا أن المهاجمين ذكروا صراحة “هويتهن الإثنية”، واستخدموا شتائم عنصرية ضد المساليت أو غير العرب بشكل عام.
وفي أربع حالات، وثقتها المنظمة ذكر المهاجمون صراحة عمل النساء اللواتي اعتدوا عليهن، وفي إحدى الحالات ذكروا عمل زوجها، ما يشير إلى أنهم كانوا يعرفون جيداً من اعتدوا عليهن.
من جهتها، أكدت، المديرة الإقليمية لشبكة نساء القرن الأفريقي، (صيحة)، هالة الكارب، لجريدة “التغيير”، أن الشبكة وثقت أكثر من (200) حالة عنف جنسي حتى آخر يناير الماضي، والتي لا تشمل حالات الاغتصاب التي وقعت بولاية الجزيرة، بوسط السودان التي يصعب الوصول إليها بسبب انقطاع خدمتي الاتصالات والإنترنت.
وأوضحت أن الحالات الموثقة، لا تشمل الانتهاكات الجنسية التي وقعت في ولايتي شمال وغرب دارفور، باستثناء الناجيات اللواتي استطعن الوصول إلى مناطق خارج سيطرة الدعم السريع.
ولفتت الكارب، الانتباه إلى أن هذه الأعداد هي “سطح قمة جبل الجليد”، لأنه وحسب تقديرها فإن ميليشيات الدعم السريع تحديداً قد اغتصبت وتعدت على آلافٍ من النساء والفتيات في السودان، عدا عن الاعتداءات الجنسية المرتبكة من قبل الجيوش المتعددة في ظل العسكرة والإرهاب الذي يعيشه البلد.
كما أن هذه الانتهاكات الجنسية قد خلفت آثاراً نفسية وجسدية جسمية، لكنها أيضًا تركت العديد من الضحايا في مواجهة خطر الأمراض المنقولة جنسيًا والحمل الناتج عن الاغتصاب. حيث كشفت عضوة مجموعة محامي الطوارئ، رحاب مبارك، عن الإبلاغ عن إجهاض (20) ناجية/ضحية بشكل قانوني بعد تعرضهن للاعتداء الجنسي، توزعت على عدد من الولايات. فيما تقدمت (370) ناجية/ضحية بطلب البروتوكول السريري للاغتصاب.
الخوف وغياب العدالة
تعيش النساء والفتيات في السودان حالة من الخوف والهلع اضطرت الكثيرات منهن بسببها للهروب من منازلهن، أو توقفن عن الخروج لقضاء أي غرض، وفقاً للناشطة إيناس مزمل، في حديثها لجريدة “التغيير”،
وأشارت إلى رصد حالات كثيرة لتعرض النساء لاعتداء جنسي، إلا أنهن لم يستطعن الوصول لخدمات الرعاية الصحية والنفسية.
كما ذكرت أن العديد من النساء لا يجرؤن على الإفصاح عما حدث لهن حتى للأشخاص المقربين، بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بثقافة الاغتصاب والقيم الأبوية التي تضع اللوم على الضحية.
كما أن تسبب الحرب في إنهيار تام للمنظومة القضائية والصحية، وتوقف العديد من المنظمات والمجموعات النسوية عن العمل، انعكس بشكل كبير على توفير مساحات آمنة للناجيات/الضحايا أو المساعدة في مواجهة هذه الانتهاكات وتقديم الدعم للمتضررات منها.
الصحة الإنجابية والأمومة في ظل الحرب
كان للحرب آثار وخيمة على الصحة الإنجابية، وعلى الأمهات والأشخاص المنجبين/ات بشكل خاص، حيث تعرضت العديد منهن/م لمضاعفات الحمل والولادة، وانعدام القدرة على الحصول على المساعدة الصحية اللازمة.
فضلاً عن التهجير القسري الذي ترك العديد منهن/م دون مأوى أو في حالة نزوح، ووفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن أكثر من 80,100 من النازحين/ات قسراً في السودان هن من النساء والفتيات في سن الإنجاب (15-49 عامًا)، من بينهن ما يقرب من 8,000 امرأة حامل وبحاجة إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الأساسية، بما في ذلك خدمات رعاية التوليد وحديثي الولادة، وحالات الطوارئ.
وعلاوة على ذلك، فإن الحصول على خدمات صحة الأمومة يشكل تحدياً كبيراً بسبب إغلاق المستشفيات، وصعوبة العثور على وسائل نقل إلى المستشفيات البعيدة لمن يعيشون في المناطق الريفية بسبب الطرق غير الآمنة، وانخفاض جودة الخدمات في المستشفيات نتيجة نقص الإمدادات الطبية والأدوية.
في هذا السياق فقد تمت مهاجمة وتدمير عشرات المنشآت الطبية في الخرطوم، بما فيها مستشفى الولادة. أدى ذلك إلى تعريض حياة النساء الحوامل وأطفالهن للخطر، حيث تحتاج ما يقدر بنحو 479,000 امرأة إلى خدمات الصحة الإنجابية العاجلة والحيوية.
كما أن انقطاع إمدادات الأدوية الحيوية مثل الميزوبروستول والأوكسيتوسين، يفرض عبئاً على الأطباء والقابلات ويشكل تحدياً لتقديم العلاج في الوقت المناسب وبجودة عالية للحوامل والرضع.
وقد تسببت الحرب في السودان بواحدة من أسوأ أزمات التجويع الممنهج في العالم، حيث تواجه أكثر من 1.2 مليون امرأة حامل ومرضع سوء تغذية يهدد صحتهن وحياتهن وحياة أطفالهن.
ففي إقليم دارفور والخرطوم وكردفان، وهي أكثر المناطق تأثراً بالحرب، يهدد الموت بسبب المجاعة أكثر من 7000 أم ولدت حديثًا إذا لم يتمكنّ من الوصول للمساعدات الطارئة.
أضف على ذلك أن معدلات الوفيات بين الرضع والأطفال في تصاعد مستمر بسبب انعكاسات الحرب والحصار المفروض على الشعب السوداني. حيث حذرت رئيسة أطباء بلا حدود لشؤون الطوارئ في السودان كلير نيكوليه -في بيان صدر بداية العام الجاري، أن تقديرات المنظمة تشير إلى أن طفلاً/ة واحدا على الأقل يموت كل ساعتين في مخيم النازحين/ات “زمزم” بدارفور، أي أن نحو 13 طفلا/ة يموتون في اليوم”، مضيفة أن “الأطفال الذين يعانون سوء تغذية حاد قد يموتون في غضون 3 إلى 6 أسابيع إذا لم يحصلوا على علاج”.
وأشارت المنظمة إلى أن قرابة ربع الأطفال الذين خضعوا لفحوص يعانون سوء تغذية حاد، فيما يعاني نحو 40% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر وسنتين سوء تغذية.
وسجلت الإدارة العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور، وفاة 66 طفلاً/ة نتيجة سوء التغذية وانعدام الأدوية بسبب حالات الشلل. كما وثقت 6 وفيات في صفوف الحوامل بسبب انعدام الغذاء.
كما ارتفع معدل الفقر المرتبط بالدورة الشهرية بشكل كبير في السودان بعد الحرب، وحسب احصائيات وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، فإن هناك 3 آلاف امرأة مهددة بعدم توفر الفوط الصحية.
ولم تستطع النساء والفتيات منذ بداية الحرب الحصول على الفوط الصحية بسبب تدمير الأسواق وارتفاع الأسعار وحالة النزوح التي تعيشها البلاد.
في هذه الظروف تضطر العديدات أثناء دورتهن الشهرية لإستخدام الأقمشة وورق الشجر وغيرها من البدائل غير الصحية، التي تسبب أمراضًا كثيرة على مستوى الجهاز التناسلي والتهابات الرحم.
الكونغو بين النزوح والاعتداء الجنسي أين العدالة للنساء؟
تأثرت النساء والفتيات بشكل خاص بالصراع الذي ترعاه الرأسمالية الامبريالية في الكونغو، حيث تعرضن للقتل والتهجير القسري مثل معظم فئات الشعب. لكن ما أثار الهلع حقًا هو استمرار نهج استخدام الاعتداء الجنسي سلاحًا للحرب ضدهن، وذلك بعد أن كنّ ضحاياه ل 33 سنة من عمر الصراع الذي ترعاه شركات رأسمالية وقوى خارجية في البلاد.
ووفقاً لعدة تقارير فإن الجماعات المسلحة المتقاتلة ومنها حركة 23 آذار/مارس والجماعات المسلحة الأخرى، تقوم بالاعتداء الجنسي ضد النساء والأطفال داخل مخيمات النزوح، وارتفعت نسب العنف القائم على النوع الاجتماعي بنسبة 37٪ في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، مع توثيق أكثر من 74000 حالة عنف جنسي، منذ 2021 وحتى العام الجاري، تمثل النساء والفتيات 94% منها.
ويُرتكب الاعتداء الجنسي على نطاق واسع في البلاد بشكل عام لكن في شرق الكونغو الغني بالمعادن، والذي تتقاتل فيه 130 جماعة مسلحة نيابة عن الرأسمالية الامبريالية بشكل خاص.
وفي ظل تصاعد الاعتداءات، فإن تقديرات رسمية للأمم المتحدة، وثقت سعي أكثر من 35 ألف ضحية/ناجية للحصول على العلاج والبروتوكولات الصحية بعد الاعتداءات في الأشهر الستة الأولى فقط من عام 2023 في ثلاث مقاطعات شرق الكونغو. وبالنظر إلى أن نسبة ضئيلة فقط من الضحايا/الناجيات قد أبلغن عن الاعتداءات، فمن المرجح أن يكون العدد أكبر.
ففي بولينجو ومواقع النزوح الأخرى في شرق البلاد، تقوم ما يقارب ب 70 من ضحايا الاعتداء الجنسي كل يوم بزيارة العيادات التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود.
وقالت المنظمة أنها عالجت 1500 امرأة من ضحايا العنف الجنسي في ثلاثة مخيمات فقط للنازحين خارج غوما.
البحث عن الطعام يجعل النساء عرضة للخطر
في ظل موجات التهجير القسري الواسعة، والنقص الكبير في المساعدات الغذائية تضطر النازحات، وخاصة المسؤولات عن اطعام الأسر إلى المغامرة خارج المخيمات بحثاً عن الطعام والعمل.
هذا الوضع جعلهن يعشن في خطراً محدق كلما خرجن للعثور على الحطب وغيره من الضروريات، بسبب تربص الرجال المسلحين بمخيمات النزوح.
ووفقاً لريبيكا كيهيو، مديرة أنشطة العنف الجنسي الإقليمية في منظمة أطباء بلا حدود، فإن عمليات تسليم المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية الأخرى إلى مخيمات النزوح شحيحة، عدا أن ظروف المخيم تجعل النساء عرضة للعنف والإساءة، حيث أن الخيم في الملاجئ ليست سوى أغطية بلاستيكية، ولا توجد وسيلة لتأمينها من المعتدين الذين يتسللون للمخيمات.
وقالت إحدى المشرفات على مخيمات النزوح أن معظم النساء اللاتي ساعدتهن تعرضن للاغتصاب أثناء بحثهن عن الطعام خارج مخيمهن. وأضافت أنها وثقت بنفسها 19 حالة اعتداء جنسي خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023، مشيرة إلى أن الأعداد مرتفعة لكن الوصمة الاجتماعية الذكورية تجاه الضحايا، تمنع العديدات منهن من التبليغ.
وفي رصد للانتهاكات وثقت منظمة أطباء بلا حدود تقديمها الرعاية لـ 674 ضحية في الأسبوعين الأخيرين من أبريل 2023 في منطقة غوما وحدها، وهو ما يصل إلى حوالي 48 ضحية يومياً في ستة من المخيمات التي تعمل فيها المنظمة.
لكن خدمات المنظمات الدولية تبقى محدودة وغير دائمة بسبب شح التمويل، وكذا لغياب آليات جذرية تضع احتياجات المجتمعات التي تتعرض للعنف أولوية في سياسات الإغاثة، فإلى حدود اللحظة تقاتل العديد من النساء في الكونغو من أجل دعم مجتمعاتهن وتوفير الحماية والدعم للضحايا/الناجيات.
غياب العدالة والصحة الإنجابية في الكونغو
تمثل الكونغو واحدة من أكبر تحديات العدالة الجنسية والإنجابية في القارة الإفريقية، حيث تكافح النساء والفتيات من أجل تحقيق الحد الأدنى من الأمن الجنسي والإنجابي، خصوصاً في ظل تصاعد الصراعات المسلحة والآثار الوخيمة التي تتركها عليهن.
ويمثل الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية تحديًا كبيرًا للنساء والفتيات، حتى قبل تصاعد أعمال العنف الحالية في شرق البلاد، حيث كان النظام الصحي يعاني من نقص حاد في الموارد والمنشآت. وقد أدى تزايد العنف الناتج عن الحرب إلى زيادة تقويض إمكانية الحصول على رعاية الأمهات والأطفال حديثي الولادة، بما في ذلك رعاية التوليد في حالات الطوارئ، فضلاً عن الوصول إلى خدمات تنظيم الأسرة، ووسائل منع الحمل، والإجهاض الآمن، وغيرها من الخدمات الصحية.
وفي قياس أثر التهجير على الصحة الإنجابية، فإن من بين 7 مليون شخص أجبروا على النزوح، أكثر من 860,000 امرأة في سن الإنجاب قد هجرن من منازلهن، وتعيش العديد منهن في مواقع ومراكز إيواء مكتظة ، وهي ظروف تزيد من خطر تعرض النساء والفتيات للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى حالات الحمل غير المرغوب فيه، ومضاعفات الولادة، ووفيات الأمهات.
كما تشير التقديرات إلى أن ما بين 3 إلى 4 امرأة تموت كل ساعة بسبب مضاعفات الحمل والولادة، وهو معدل مرتفع بشكل كبير عن المؤشرات في سنة 2020 التي سجلت معدل 547 امرأة لكل 100 ألف مولودٍ حي.
كما تتعرض النساء الحوامل للهجوم بشكل ممنهج من المسلحين في غياب تام لأي آليات تحميهن.
هذا الرصد للاحصائيات التي تناولت المآسي والانتهاكات الجنسية والانجابية في السياقات المذكورة، ليست شاملة أو نهائية بسبب الوضع العام للحروب، وانعدام عمل توثيقي يواكب هذا الجانب بصفته أحد العوامل الرئيسية المؤثرة في سلامة وحقوق الأشخاص.
لكن الهدف هو إعادة النظر في هذه القضايا بشكل يضمن أن لا يضيع ما توفر من توثيق، ويشدد أن العدالة الانجابية والجنسانية ليست قضايا مفصولة عن سياقها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتحديداً ليست مفصولة على مخططات الاستعمار وعنفه وهيمنته ومقاومته، ولا يمكن مقاربتها من زاوية النظام الأبوي فقط، ولا يمكن الدفاع عنها بالخطابات فقط، ولا يمكن اختزالها في سلب حق الإجهاض الآمن والمجاني فقط.